Uncategorized

السعال الديكي: داء تنفسي معدٍ يهدد الأطفال والكبار

يُعد السعال الديكي واحدًا من الأمراض التنفسية المعدية التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي، وتنتج عن الإصابة ببكتيريا تُعرف باسم “بورديتيلا بيرتوسيس”. ويُعرف هذا المرض باسم “الشاهوق” في بعض البلدان العربية، وهو يسبب نوبات سعال متكررة وقوية يمكن أن تستمر لأسابيع. رغم أن السعال الديكي يُعد أكثر شيوعًا بين الأطفال الرُضّع، إلا أنه يمكن أن يصيب البالغين أيضًا، وقد يكون أكثر خطورة في حالة ضعف المناعة أو عدم تلقي اللقاح الوقائي.

ما هو السعال الديكي؟

السعال الديكي هو التهاب بكتيري شديد يصيب الجهاز التنفسي ويتسبب في نوبات متكررة من السعال العنيف الذي يتبعه صوت شهقة عالية عند استنشاق الهواء، وهي الشهقة التي يُشتق منها اسم المرض بالإنجليزية (Whooping Cough). البكتيريا المسؤولة عنه تلتصق ببطانة الجهاز التنفسي، وتفرز سمومًا تؤدي إلى تلف الأنسجة وتضيق الشعب الهوائية، مما يؤدي إلى أعراض مزعجة قد تتطور إلى مضاعفات خطيرة.

كيفية انتقال العدوى

ينتقل السعال الديكي بسهولة من شخص إلى آخر عن طريق الرذاذ التنفسي الذي يخرج أثناء السعال أو العطس أو حتى التحدث القريب. ويمكن للشخص المصاب نقل العدوى خلال المراحل الأولى من الإصابة، خاصة قبل أن يتم تشخيصه. كما تنتقل العدوى بشكل أسرع في الأماكن المغلقة والمزدحمة، مثل المدارس ودور الحضانة ووسائل المواصلات العامة. الأطفال غير المُطعمين والرضّع معرضون بشكل أكبر للإصابة بمضاعفات حادة نتيجة ضعف جهاز المناعة لديهم.

مراحل تطور المرض

يمر السعال الديكي بثلاث مراحل رئيسية متتالية، تبدأ بالمرحلة النزارية التي تستمر لأسبوع إلى عشرة أيام وتشبه أعراضها نزلات البرد، حيث يعاني المريض من رشح خفيف واحتقان في الأنف وسعال بسيط. ثم تنتقل العدوى إلى المرحلة الانتيابية، وهي الأخطر، حيث يظهر فيها السعال الشديد والمتكرر المصحوب بشهقة عالية، وقد تترافق مع قيء أو اختناق. تستمر هذه المرحلة من أسبوعين إلى ستة أسابيع. بعدها تبدأ المرحلة النهائية أو النقاهة، والتي تتراجع فيها الأعراض تدريجيًا، ولكن السعال قد يستمر لأسبوعين أو أكثر حتى يتعافى الجسم تمامًا.

الأعراض المميزة للسعال الديكي

تبدأ أعراض السعال الديكي بصورة خفيفة وتزداد تدريجيًا، وتشمل سيلان الأنف واحتقان الحلق وارتفاعًا بسيطًا في درجة الحرارة، يتبعها نوبات من السعال الجاف الذي يزداد حدة مع مرور الأيام. أكثر ما يميز هذا المرض هو السعال المتكرر الذي يأتي على شكل نوبات طويلة، يتبعه شهقة صوتية مرتفعة عند أخذ نفس عميق. قد يعاني المصابون أيضًا من قيء بعد نوبة السعال، أو إرهاق شديد بسبب كثرة السعال. في الحالات الشديدة، قد تظهر علامات على نقص الأوكسجين مثل الزرقة أو توقف التنفس المؤقت، خاصة لدى الرضع.

مضاعفات السعال الديكي

قد يؤدي السعال الديكي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يُشخّص ويُعالج مبكرًا، خاصة عند الرضع أو كبار السن أو من يعانون من أمراض مزمنة. من أبرز هذه المضاعفات حدوث التهاب رئوي نتيجة ضعف الجهاز التنفسي، أو حدوث نوبات تشنجية بسبب نقص الأوكسجين. في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي السعال المتكرر إلى كسور في الضلوع أو نزيف تحت الجلد نتيجة الضغط الشديد. كما قد يُسبب السعال الديكي مضاعفات عصبية، مثل فقدان الوعي المؤقت أو تغير في مستوى الوعي، وهي حالات تتطلب تدخلًا طبيًا فوريًا.

كيفية التشخيص الطبي

يعتمد تشخيص السعال الديكي على مزيج من الأعراض السريرية والتاريخ الطبي للمريض، خاصة إذا كان قد خالط أشخاصًا مصابين أو غير مطعّمين. يلجأ الطبيب إلى إجراء مسحة من الأنف أو الحلق لتحليلها والتأكد من وجود البكتيريا. كما يمكن استخدام فحوصات الدم للكشف عن الأجسام المضادة الخاصة بالبكتيريا، أو إجراء مزرعة بكتيرية من إفرازات الجهاز التنفسي. في بعض الحالات، تُستخدم تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) لتحديد وجود الحمض النووي للبكتيريا بدقة عالية، خصوصًا في الأيام الأولى من الإصابة.

خيارات العلاج المتاحة

يرتكز علاج السعال الديكي على استخدام المضادات الحيوية، خاصة تلك التي تنتمي إلى مجموعة الماكرولايد مثل الإريثروميسين أو أزيثروميسين، حيث تساعد في القضاء على البكتيريا وتخفيف الأعراض إذا تم تناولها مبكرًا. في المراحل المتقدمة، قد لا تقلل المضادات من حدة السعال لكنها تحد من انتشار العدوى للآخرين. يُوصى في بعض الحالات بدخول المستشفى، خصوصًا للرضع أو المرضى الذين يعانون من مضاعفات تنفسية. إلى جانب العلاج الدوائي، يحتاج المريض إلى الراحة، وتناول كميات كافية من السوائل، وتجنب المثيرات مثل الغبار والدخان. قد يُنصح أيضًا بعزل المصاب عن الآخرين حتى تنتهي فترة العدوى.

طرق الوقاية والتطعيم

الوقاية من السعال الديكي تبدأ بالتطعيم، حيث يُعد لقاح السعال الديكي جزءًا من لقاح الثلاثي البكتيري (DTP أو DTaP) الذي يُعطى للأطفال على جرعات تبدأ من الشهر الثاني بعد الولادة. كما يُنصح بتلقي جرعات داعمة في مراحل عمرية لاحقة، خاصة في عمر المراهقة والبلوغ. النساء الحوامل يجب أن يتلقين جرعة من اللقاح خلال الثلث الثالث من الحمل لحماية الرضيع من الإصابة بعد الولادة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تجنب مخالطة المصابين، والحفاظ على نظافة اليدين، وتهوية الأماكن المغلقة، والحرص على الكشف المبكر عند ظهور الأعراض.

السعال الديكي عند الكبار

رغم أن السعال الديكي يُعد مرضًا شائعًا عند الأطفال، إلا أنه يمكن أن يصيب الكبار أيضًا، خصوصًا إذا لم يتلقوا جرعات تعزيزية من اللقاح بعد الطفولة. في البالغين، قد تكون الأعراض أخف ولا تظهر الشهقة المميزة، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص وانتقال العدوى إلى الآخرين دون علم المريض. لهذا السبب، يُعتبر تطعيم البالغين دورياً أمرًا مهمًا للحد من انتشار العدوى، خاصة بين العاملين في القطاع الصحي أو المدرسين أو من يعيشون مع أطفال حديثي الولادة.

هل يمكن أن يتكرر المرض؟

الإصابة بالسعال الديكي تمنح الجسم مناعة مؤقتة، لكنها لا تدوم مدى الحياة. لذلك، يمكن أن يُصاب الشخص بالمرض مرة أخرى بعد سنوات، خاصة إذا لم يتلقَ الجرعات التعزيزية من اللقاح. ولهذا السبب، تحث الجهات الصحية على تلقي الجرعات المعززة كل عدة سنوات، لا سيما في حالات الحمل أو السفر إلى أماكن تشهد تفشيًا للمرض.

خاتمة

السعال الديكي مرض معدٍ شديد الإزعاج قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم التعامل معه مبكرًا وبشكل صحيح. لحسن الحظ، يمكن الوقاية منه بسهولة من خلال التطعيم والفحص المبكر عند ظهور الأعراض. نشر الوعي حول هذا المرض وأعراضه وطرق انتقاله هو أحد أهم وسائل الحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للإصابة. فبالتطعيم والاحتياطات الصحية المناسبة، يمكن تجنب المعاناة والحد من مخاطره على الأفراد والمجتمعات.

اقرأ ايضا

اكتشف قوة وصفات الديتوكس الطبيعية في تنقية الجسم وتجديد البشرة وتحقيق التوازن النفسي لتعزيز صحتك بشكل شامل وطبيعي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *